مقاومة الاغتراب | معرض رقميّ

 

كان الدافع داخلي دومًا، أن أبحث في شخصيّتي وأنبش في ذاكرتي عن تفاصيل وروايات وأحداث أسردها وأعيد صياغتها، وأعمل على طرحها بشكل جديد، ما دعاني، لا شعوريًّا، إلى التوجّه نحو ما اعتادت عيناي على تأمّله منذ الطفولة؛ تركيبة الطبيعة وحبّي لها وربطها بالقصص الشخصيّة، ومحاولة تنظيم وقول قضيّتي التي تشكّل الهاجس الأوّل لديّ، وهي الهويّة الفلسطينيّة الفرديّة والجمعيّة، والصراع الذي تتعرّض له حيال العيش في مجتمع يتحكّم به الإسرائيليّون من كلّ النواحي.

ما دفعني إلى الاستمرار في البحث، شعوري بأنّ لديّ شيئًا أكبر وأبعد لأقوله وأخرجه إلى الضوء في ما يخصّ هذه القضيّة، التي تشعرني دائمًا بأنّها تسرق منّا، في بعض الأحيان، الإيمان بأنفسنا وحياتنا، وتخضعنا للأمر الواقع من دون الشعور بذلك.

الذاكرة الشخصيّة والطبيعة

لطالما تأمّلت وعملت على مراقبة ذاكرتي الشخصيّة وما ينتج عنها من ألبوم صور حميميّ، اعتقدت أنّه الذاكرة الثابتة التي تخزّن ذاتها، إلّا أنّني بدأت أكتشف أنّ الذاكرة سلسلة تنمو وتنضج يوميًّا، كما أنّها قابلة للتشوّه يوميًّا. هذا ما قادني للبحث عن الطريقة الأنسب للقول ما في ذاكرتي من تحوّلات. أعتقد دومًا أنّ القول خطاب وفعل أوصلني إلى الفنّ، والرسم تحديدًا، الذي يشكّل الأداة التي اعتدت على التعبير من خلالها عن تجربتي الحياتيّة الذاتيّة.

يأتي بحث هذا العمل لأسلّط الضوء على تحول رؤيتي في تأمّل الطبيعة الرومانسيّة، إلى تأمّل جزيئيّات تحاصرني بشكل مستمرّ، من أسئلة وحوارات ذاتيّة تتعلّق بهويّتي الشخصيّة التي لا أجد لها إجابات واضحة في بعض الأحيان. ومن خلال البحث، اكتشفت علاقتي مع الطبيعة، وما تشكّله من مخزون صوريّ تكوّن داخلي طوال السنوات الماضية.

رمزيّة الخشب

أثارني مفهوم الصناعة وعلاقته مع الطبيعة مجدّدًا، وإيجاد التشابهات والتقاطعات بين الذاكرة البشريّة وذاكرة الخشب في الطبيعة؛ استنتجت حينها أنّ الاحتلال لا يسلب الأرض ويسرقها فقط، بل يسرق الإنسان وذاكرته وهويّته التي ينسلخ عنها ببطء.

رمزيّة الخشب في نظري، أنّه حياة في الطبيعة تُفقد كلّ يوم، مثل فقدان هويّتي كلّ يوم، في ظلّ الانجراف الذي يعيشه الفلسطينيّون في الأراضي المحتلّة عام 1948، مع صراع الهويّة، واللغة، والمكان، وغيرها، ومحاولات الشعب الفلسطينيّ مقاومة الانسلاخ، وصهر الأفراد والجماعات.


* فاز هذا العمل بالمرتبة الأولى في "جائزة إسماعيل شمّوط للفنّ التشكيليّ" لعام 2018، التي تقدّمها دار الكلمة الجامعيّة للفنون والثقافة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

روان خليليّة

 

من مواليد عام 1991 في مدينة الناصرة، حصلت على بكالوريس في الفنون الجميلة وعلم البيئة من جامعة حيفا عام 2016. شاركت في عدّة دورات وقدّمت بعض ورشات الفنون والمحاضرات لطلبة المدارس، وتطوّعت في عدّة مؤسّسات محلّيّة.